فصل: اختلاف الأزارقة.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.خروج المطرف والمغيرة بن شعبة.

لما ولى الحجاج الكوفة وقدمها وجد بني المغيرة صلحاء أشرافا فاستعمل عروة على الكوفة ومطرفا على المدائن وحمزة على همذان فكانوا أحسن العمال سيرة وأشدهم على المريب ولما جاء شبيب إلى المدائن نزل نهر شير ومطرف بمدينة الأبواب فقطع مطرف الجسر وبعث إلى شبيب أن يرسل إليه من يعرض عليه الدعوة فبعث إليه رجلا من أصحابه فقالوا نحن ندعو إلى كتاب الله وسنة رسوله وأنا نقمنا على قومنا الاستئثار بالفيء وتعطيل الحدود والتسبط بالجزية فقال مطرف دعوتم إلى حق - - - جورا ظاهرا وأنا لكم متابع فبايعوني على قتال هؤلاء الظلمة بإحداثهم وعلى الدعاء إلى الكتاب والسنة على الشورى كما تركها عمر بن الخطاب حتى يولي المسلون من يرضونه فإن العرب إذا علمت أن المراد بالشورى الرضا من قريش رضوا فكثر مبايعكم فقالوا: لا نجيبك إلى هذا! وأقاموا أربعة أيام يتناظرون في ذلك ولم يتفقوا وخرجوا من عنده ثم دعا مطرف أصحابه وأخبرهم بما دار بينه وبين أصحاب شبيب وأن رأيه خلع عبد الملك والحجاج فوجموا من قوله وأشاروا عليه بالكتمان فقال له يزيد بن أبي زياد مولى أبيه لن والله يخفى على الحجاج شيء مما وقع ولو كنت في السحاب لاستنزلك فالنجاء بنفسك ووافقه أصحابه فسار عن المدائن إلى الجبال ولما كان في بعض الطريق دعا أصحابه إلى الخلع والدعاء إلى الكتاب والسنة وأن يكون الأمر شورى فرجع عنه بعض إلى الحجاج منهم سبرة بن عبد الرحمن مخنف وسار مطرف ومر بحلوان وبها سويد بن عبد الرحمن السعدي مع الأكراد فاعترضوه فأوقع مطرف بهم وأثخن في الأكراد ومال عن همذان ذات اليمين وبها أخو حمزة واستمده بمال وسلاح فأمده سرا وسار إلى قم وقاشان فبعث عماله في نواحيه وفزع إليه كل جانب فجاء سويد بن سرحان الثفقي وبكير بن هرون النخعي من الري في نحو مائة رجل وكان على الري عدي بن زياد الأيادي وعلى أصبهان البراء بن قبيصة فكتب إلى الحجاج بالخبر واستمده فأمده بالرجال وكتب إلى عدي بالري أن يجتمع مع البراء على حرب مطرف فاجتمعوا في ستة آلاف وعدي أميرهم وكتب الحجاج إلى قيس بن سعد البجلي وهو على شرطة حمزة بهمذان بأن يقبض على حمزة ويتولى مكانه فجاءه في جمع من عجل وربيعة وأقرأه كتاب الحجاج فقال سمعا وطاعة وقبض قيس عليه وأودعه السجن وسار عدي والبراء نحو مطرف فقاتلوه وانهزم أصحابه وقتل يزيد مولى أبيه وكان صحاب الراية وقتل من أصحابه عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف الأزدي وكان ناسكا صالحا وكان الذي تولى قتل مطرف عمر بن هبيرة الفزاري وبعث عدي أهل البلاء إلى الحجاج وأمر بكير بن هرون وسويد بن سرحان وكان الحجاج يقول مطرف ليس بولد للمغيرة وإنما هم ابن مصقلة الحر لأن أكثر الخوارج كانوا من ربيعة لم يكن فيهم من قيس.

.اختلاف الأزارقة.

قد تقدم لنا مقام المهلب في قتال الأزارقة على سابور بعد مسير عتاب عنه إلى الحجاج وأنه أقام في قتالهم سنة وكانت كرمان لهم وفارس للمهلب فانقطع عنهم المدد وضاقت حالهم فتأخروا إلى كرمان وتبعهم المهلب ونزل خيررفت مدينة كرمان وقاتلهم حتى أزالهم عنها وبعث الحجاج العمال على نواحيها وكتب إليه عبد الملك بتسويغ - - - للمهلب معونة له على الحرب وبعث الحجاج إلى المهلب البراء بن قبيصة يستحثه لقتال الخواج فسار وقاتلهم والبراء مشرف عليه من ربوة واشتد قتاله وجاء البراء من الليل فتعجب لقتاله وانصرف إلى الحجاج وأنهى غدر المهلب وقاتلهم ثمانية عشر شهرا لا يقدر منهم على شيء ثم وقع الاختلاف بينهم فقيل في سببه أن المقعطر الضبي وكان عاملا لقطري على بعض نواحي كرمان قتل بعض الخوارج فطلبوا القود منه فمنعه قطري وقال: تأول فأخطأ هو من ذوي السابقة فاختلفوا وقيل بل كان رجل في عسكرهم يصنع النصول مسمومة فيرمي بها أصحاب المهلب فكتب المهلب كتابا مع رجل وامرأة أن يلتقيه في عسكرهم وفيه وصلت نصالك وقد أنفذت إليك ألف درهم فلما وقف على الكتاب سأل الصانع فأنكر فقتله فأنكر عليه عبد ربه الكبير واختلفوا وقيل بعث المهلب نصرانيا وأمره بالسجود لقطري فقتله بعض الخوارج وولوا عبد ربه الكبير وخلعوا قطريا فبقي في نحو الخمسين منهم وأقاموا يقتتلون شهرا ثم لحق قطري بطبرستان وأقام عبد ربه بكرمان وقاتلهم المهلب وحاصرهم بخيرفت ولما طال عليهم الحصار خرجوا بأموالهم وحريمهم وهو يقاتلهم حتى أثخن فيهم ثم دخل خيرفت وسار في اتباعهم فلحقهم على أربعة فراسخ فقاتلهم هو وأصحابه حتى أعيو وكف عنهم ثم استمات الخوارج ورجعوا فقاتلوه حتى يئس من نفسه ثم نصره الله عليهم وهزمهم وقتل منهم نحوا من أربعة آلاف كان منهم عبد ربه الكبير ولم ينج إلا القليل وبعث المهلب المبشر إلى الحجاج فأخبره وسأله عن بني المهلب عليهم واحدا واحدا قال: فأيهم كان أنجد؟ قال: كانوا كالحلقة المفزعة لا يعرف طرفها فاستحسن قوله وكتب إلى المهلب يشكره ويأمره أن يولي على كرمان من يراه وينزل حامية ويقدم عليه فولى عليها ابنه يزيد وقدم على الحجاج فاحتفل لقدومه وأجلسه إلى جانبه وقال: يا أهل العراق أنتم عبيد المهلب! وسرح سفيان بن الأبرد الكلبي في جيش عظيم نحو طبرستان لطلب قطري وعبيدة بن هلال ومن معهم من الخوارج والتقوا هنالك بإسحق بن محمد بن الأشعث في أهل الكوفة واجتمعا على طلبهم فلقوهم في شعب من شعاب طبرستان وقاتلوهم فافترقوا عن قطري ووقع عن دابته فتدهده إلى أسفل الشعب ومر به علج فاستقاه على أن يعطيه سلاحه فعمد إلى أعلى الشعب وحدر عليه حجرا من فوق الشعب فأصابه في رأسه فأوهنه ونادى بالناس فجاء في أولهم نفر من أهل الكوفة فقتلوه - - - منهم سورة بن أبجر التميمي وجعفر بن عبد الرحمن بن مخنف والسياح بن محمد بن الأشعث وحمل رأسه أبو الجهم إلى إسحق بن محمد فبعث به الحجاج وبعثه الحجاج إلى عبد الملك وركب سفيان فأحاط بالخوارج وحاصرهم حتى أكلوا دوابهم ثم خرجوا إليه واستماتوا فقتلهم أجمعين وبعث برؤوسهم إلى الحجاج ودخل دنباوند وطبرستان فكان هناك حتى عزله الحجاج قبل دير الجماجم قال بعض العلماء وانقرضت الأزارقة بعد قطري وعبيدة آخر رؤسائهم وأول رؤسائهم نافع بن الأزرق واتصل أمرهم بضعا وعشرين سنة إلى أن افترقوا كما ذكرناه سنة سبع وسبعين فلم تظهر لهم جماعة إلى رأس المائة.